26‏/04‏/2009

ياسر الزعاترة: حول مخاوف «التشييع» مرة أخرى (منقول)

في قصة التشييع التي تثار بين حين وآخر قليل من المنطق وكثير من السياسة وتناقضاتها ، مع قدر كبير من الإساءة لأهل السنة والجماعة ، سواء صدرت تلك القصة عن بعض الأنظمة ومن يدورون في فلكها ، أم صدرت عن بعض المحسوبين على الصحوة الإسلامية ، فضلا عن صدورها عن متأمركين يكرهون الدين والمتدينين أيا يكن مذهبهم.
من المثير بالطبع أن نعثر على معزوفة التشييع عند أنماط من تلك الأصناف جميعا ، الأمر الذي يثير الكثير من الريبة لدى المراقب ، فضلا عن الحريص على دين الله ومصالح الأمة ، مع أننا لا ننفي أن من بين من يتحدثون في هذا الشأن مخلصون يعتقدون بأن الشيعة خطر وأنهم يمارسون التقية وأنهم عملاء لإيران الصفوية أو الفارسية المعادية للعرب ، إلى غير ذلك من المقولات.
ما ينبغي أن يقال ابتداءً هو أن أكثر إخواننا الشيعة قد ورثوا مذهبهم ، تماما كما ورث السنة مذهبهم ، وأن قلة من بين الطرفين قد غيّر مذهبه ، ما يعني أن كل طرف يؤمن بأنه الأقرب إلى الصواب ، ولذلك فإن تكفير هؤلاء أو هؤلاء بالجملة لا يمكن أن يكون صحيحا بحال.
كل ذلك لا ينفي ضرورة تفكيك هذه المعضلة في الإطار الذي نحن بصدده هذه الأيام ، والمتمثل في الحشد ضد الشيعة وإيران ، الأمر الذي يطرح السؤال التالي: هل إن هذه الأنظمة التي تتولى كبر الحشد معنية بالفعل بمذهب أهل السنة ، أم أنها تفعل ذلك من أجل أهدافها السياسية التي تلتقي غالبا مع أهداف نخبها الحاكمة أكثر من أهداف الشعوب والأمة؟
هل تنسى الأنظمة التي تحشد ضد الشيعة هذه الأيام كانت ترفض ذلك في مرحلة سابقة؟ وهل نتجاهل أن من يحشدون ضد إيران وحزب الله ، لا يفعلون ذات الشيء مع حلفاء إيران الشيعة في العراق لأن الأمريكان لا يسمحون بذلك؟ ألا يعني ذلك أن الموقف لا علاقة له بالدين بقدر علاقته بالسياسة ، وهنا تحديدا ينبغي أن نسأل عن المصلحة السياسية في تقديم الخطر الإيراني على الخطر الأمريكي الصهيوني ، وهل مثل هذه الأجندة مخلصة للأمة ، أم أنها جزء من منظومة تقف على النقيض من مصالح بعض الأنظمة؟
من المؤكد أن لإيران مشروعها في المنطقة ، وهي قوة كبرى معنية بالتمدد والنفوذ ، ولكن تركيا السنية لها ذات الطموح أيضا ، وعندما يتحدث أردوغان في كل مناسبة عن أجداده العثمانيين ، فإن لذلك دلالته المعروفة ، كما أن أحدا لا يرفض أن تكون لمصر على سبيل المثال طموحاتها في التمدد والنفوذ ، وقد كان لها شيء من ذلك أيام الحقبة الناصرية.
لم يمنع أحد الدول العربية الحريصة على السنة ومواجهة التشيع من مساعدة السنة العرب في العراق كما ساعدت إيران الشيعة ، لكنها لم تفعل.
ثمة بعدان مهمان هنا: يتعلق الأول بالإساءة التي توجه إلى مذهب أهل السنة عندما يصور هشّا يمكن لأي أحد أن يهدده ، مع أنه مذهب الغالبية الساحقة من الأمة: كان ولا يزال بسبب ما يملكه من منطق متماسك وانتماء إلى روح الدين ، وليس بسبب السطوة السياسية كما يشيع البعض ، بدليل أن شيعة حكموا في فترات مختلفة أكثر مناطق العالم الإسلامي لكن مذهبهم بقي محصورا في مناطق معينة.
البعد الثاني هو الصورة التي يعطيها مثل ذلك الخطاب لمذهب أهل السنة عندما يكون الشيعة في مربع التصدي للكيان الصهيوني والولايات المتحدة ، بينما يقف الطرف السني في مربع حصار الفلسطينيين وملاحقة المقاومة والخضوع للإملاءات الخارجية.
لقد آن أن يعيد العقلاء النظر في هذه المقولات ، ولا يركنوا إلى ما تقوله بعض الأنظمة ، لأن بوصلة جماهير الأمة وقواها الحية ينبغي أن تبقى في الاتجاه الصحيح ، وهي كذلك رغم الحشد الإعلامي ، من دون أن ننفي تأثر البعض بالحملة السائدة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق