24‏/06‏/2009

تأثير الفراشة


غريب كيف يمكن لتصرفات ولفتات بسيطة من أناس قد تعرفهم وقد لا تعرفهم أن تغير مجرى يومك، وقد لا أكون مبالغا إذا قلت أنها تغير مجرى حياتك. فأنا أعتقد أن رفض طلب هتلر الانتساب للمعهد الفني في فيينا بعد فشله في اجتياز الاختيار المبدئي لم يغير مجرى حياته فقط، وإنما غير مجرى التاريخ. حيث كان من الممكن أن يكون فنانا مشهورا، أو حتى مغمورا. الأحداث الكبيرة في معظمها لا تصنع الشخصيات، قد تبرزها نعم وقد تصنع التاريخ، إلا أنها لا تؤثر في النفوس كما تؤثر الأحداث الصغيرة. هذا رأيي على الأقل. فكما يقول المثل الصيني: (قطرة المياه تحفر الصخرة، ليس بالقوة و إنما بالتكرار). لهذا فإن على المرء أن يكون حريصا عند إبداء أي لفتة أو ضحكة تجاه الآخرين، لعلها تحدث فيهم تأثيرا دراماتيكيا.

موقف:
خرجت غاضبا من البيت إلى صلاة الجمعة. كنت قد استيقظت بمزاج عكر. لم يجدي الجو اللطيف ولا الشمس الجميلة في تغيير مزاجي. وصلت إلى المسجد القريب قبل موعد الأذان فصليت ركعتين وتناولت مصحفاً لأقرأ سورة الكهف وما تيسر من القرآن. بعد قليل دخل ذلك الشاب فكرر ما قمت به وجلس يقرأ القرآن بجانبي. كان يبدو أكبر مني بقليل. بعد قليل حان موعد الأذان، فمد يده تجاهي كناية عن استئذانه بأخذ المصحف ليعيده إلى الخزائن المخصصة. أعطيته إياه شاكراً، ثم أحضر لنفسه منديلين ورقيين ولي كذلك وعاد ليعطيني إياهما مبتسما. بعد الخطبة والصلاة نظر إلي وعلى وجهه نفس الابتسامة الآسرة وصافحني قائلا: (تقبل الله). هذه التصرفات اللطيفة من شاب لا يعرفني ولا أعرفه قلبت لي مزاجي. وحين خرجت من المسجد، انقلب اليوم إلى يوم إجازة سعيد.

موقف آخر:
كان عامل البلدية الموكل بجمع قمامة الحي رجل كبير، تبدو علامات التقدم في السن واضحة في وجهه وظهره الذي احدودب من تأثير عمله المضني. كان معروفاً في الحي بأنه رجل نكد، لا يضحك للرغيف السخن كما يقولون. أمين وخدوم ولكنه قليل الكلام ولا يخاطب أحداً.
كنت أخرج كل يوم في الصباح الباكر للعمل في العاصمة، إذ كنت أسكن في مدينة أخرى. في ذلك الوقت، كان المصلون يعودون من المسجد بعد صلاة الفجر. الحي نائم بأكمله وأنا أكاد أغفو وأنا أمشي. كنت أبحث بنظري عنه، ذلك العامل، وعندما أجده كنت أبتسم له فيبتسم لي ويصرخ مرحباً بلهجته الصعيدية: (صباح الفل يا دكتور)، فأرد عليه كل يوم: (أنا مش دكتور). ونمشي معاً مسافة قصيرة حتى أجد سيارة أجرة. كنت لا أقدر متعة هذا الروتين الصباحي حتى افتقدته يوما، فذهبت إلى العمل حزيناً.