26‏/04‏/2009

المحفظة الفارغة



كثيرة هي الشعارات التي نسمعها ونقرأ عنها في هذا البلد الحبيب هذه الأيام. هيئات ومنظمات وعمارات ومكاتب وجوائز وحقوق إنسان وحيوان وشجر... كثيرة إلى أنه لو أحصيناها خلال السنوات الماضية لخرجنا بشعار لكل مواطن. كنت أتابعها ضاحكا في سري. كان من أولها إنترنت لكل مواطن.

في تلك الأيام كنا خارجين في رحلة إلى قرية مليح بجانب مادبا. قرية رائعة وباهرة الجمال إلا أنها تخلو من أي مقومات حضارية. كنا متجهين صعودا في الجبل ننظر إلى تلك الجنة التي لم تفسدها بعد آثار التقدم والعمران الوحشي. قضينا ليلة رائعة في مزرعة تعود ملكيتها إلى قريب أحد الأصدقاء. في اليوم التالي تماما جاء هذا الصديق من بعيد ضاحكا ونحن جالسون في كافيتيريا الجامعة ومعه صحيفة أخبار ليطلعنا على خبر مضحك جدا (الحكومة تفتتح مقهى انترنت مجاني لأبناء مليح). مقهى انترنت مرة واحدة!!! هم لا يجدون الخبز ليسكتوا جوعهم بعد، والتعليم عندهم غاية في التخلف و الانهيار. إذن فليأكلوا البسكويت وهم يتصفحون الانترنت!!!

أرجو من قارئ هذه السطور أن لا يسيء فهمي. أنا لست ضد التقدم، ولكني أعتقد بأن الحاجات الأساسية أولى. فإذا كانت "المساعدات" الدولية و "القروض" تصلنا لتنتهي في غير مصلحة الشعب، وأعني بذلك ما يتبقى منها بعد عمليات السمسرة والجمركة والاقتطاع، فإننا لا نريدها.

يقال أن رجل الكهف الأول لم يكن قادرا على صيد الحيوانات الضخمة كالماموث وغيرها بأدواته البسيطة، فكان يرسمها على جدران كهفه ليقنع نفسه بأنه امتلكها فيشعر بالسعادة. نحن لم نعد سكان كهوف صغيرة منعزلة، ولم تعد أدواتنا بسيطة. نحن نعيش في عالم الفضائيات والانترنت المفتوح، فكفوا عن الرسم فلن تجدوا جدرانا ترسموا عليها أصلا.

أخيرا، لا أدري لماذا يذكرني كل شعار جديد يصدر يقصة حصلت معي وأنا طفل صغير، تعلمت منها درسا كبيرا. فقد كنت أدخر مصروفي اليومي المحدود لأشتري محفظة جلدية كالكبار لأباهي بها أقراني. حتى إذا انتهيت من ادخار ثمنها ذهبت وبكل سعادة إلى السوق واخترتمحفظة جلدية لامعة واشتريتها بكل ما ادخرته من نقود. أحسست حينها بأني امتلكت العالم، وبأني صرت في مصاف الكبار. وبعد أن مشيت عدة خطوات خارج المحل، أدركت الحقيقة المرة، وهي أني لا أملك ما أضعه داخل المحفظة!!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق